إلى كل من نقلت مدونته أو مقالته أهدي تحياتي وأشد على أياديهم لأنها مجهودات قيمة ومفيدة أردت تقريبها وجمعها في موقع واحد لتسهيل البحث والاستمتاع دون عناء أو مضيعة للوقت......احترمت عرقكم ولم اكن جحودا ...فقط اضغطوا على العنوان الذي تراه مقتبس من موقعك وستعلم أني لم أنكر فضلكم ...وشكرا

mardi, mai 19, 2009

مؤسسات التعليم التونسية، مسارح للقتل والدعارة والمخدرات






مثلت جريمة القتل التي ذهب ضحيتها تلميذ بالمعهد التقني / الفني بقفصة أواخر شهر جانفي، حدثا جعل البعض من التونسيين ينتبه لحقيقة النموذج المجتمعي الذي وقع فرضه على التونسيين منذ الاستقلال، ومؤشرا على خطورة المآل الذي أصبح يواجهه التونسيون رغما عنهم.

ولكن المتأمل لحقيقة أسس المشروع المجتمعي الذي يؤطر التونسي من كل جهاته، يعرف أن جريمة القتل هذه والتي تمت بداخل ساحة المعهد أمام أعين التلاميذ والأساتذة، لا تعدو ان تكون نتاجا طبيعيا لمنهج ورؤية أثبتت فشلها، ورغم ذلك لازال التونسي يعاني من نتائج فرضها عليه قهرا منذ أكثر من نصف قرن.

ولعله يكفي للتذكير بهذه الملاحظة البديهية، حقيقة الانهيار القيمي الفظيع الذي أصاب المجتمع التونسي، وخاصة في صفوف النشىء من الأطفال والشباب، بحيث يكفي ان تمر أمام أي معهد لترى واقع التسيب الأخلاقي لدى الشباب من معاكسات ومنافسة في التعري بين الفتيات، بل وممارسات كانت من قبل ينظر إليها على أنها خطيرة، ولكنها أصبحت الآن أمرا طبيعيا، كمقدمات الزنا من تقبيل ومعانقة تمارس أمام المعاهد، كل ذلك من دون ان يحرك أي احد ساكنا، بل تغض المعاهد النظر إزاء هذه السلوكيات، وتجتهد وسائل الإعلام التونسية المتغربة لتبرير تلك الممارسات، وقد انتهى الأمر بان تحولت بعض المعاهد كأماكن لانتداب بائعات الهوى.
أما المخدرات فإنها منتشرة بين شباب وشابات المعاهد، حدا من الخطورة دفع لتناوله بالبحث في دراسات قامت بها "جهات تونسية مختصة".


أسس تواصل واقع الانحدار والتفكك المجتمعي بتونس:

تشهد تونس انحدارا خطيرا في العديد من المستويات، ولكنها بالمقابل، لا تبدي أي علامات جدية على الإحساس بخطورة هذه الحقيقة، فضلا على ان يقع تناولها بالمعالجة المجدية.

ولعل هذه المفارقة، وهي إتباع طريق خاطئ وخطير، ثم الإصرار عليه، هي التي تجعل من تونس حالة شاذة فعلا، خاصة إذا أضفنا لهذه المعطيات، حقيقة، أن الأطراف التي يفترض فيها ان تكون مصدر موازنة ونقد للواقع وأمراضه، كالنخب الفكرية، لا توجد بالشكل المطلوب بتونس، فكل عناصر الرفض والموازنة ضد الواقع، لا تعدو أن تكون اشتقاق لمن يقود هذا الواقع وهي النخب الحاكمة ذات التوجهات العلمانية المتغربة، وعليه فانه لا توجد معارضة جذرية لأسس المشروع المجتمعي التونسي الحديث الذي وقع فرضه منذ الاستقلال، بمعنى أنه لا توجد معارضة عقدية فكرية جذرية، وإنما توجد فقط معارضات سياسية وحقوقية، مع إقرارها بصواب الخيارات الفكرية الكبرى التي وقع تبينها منذ الاستقلال، وهي كلها مؤشرات تعني أن لا إمكانية في المدى القريب للخروج من حالة الانحدار والتفكك المجتمعي التي دخلتها تونس.

كما ان العنصر الثاني الذي يفترض فيه ان يكون عامل تكوين وعي وتنبيه لمخاطر تلمّ بالمجتمع وهي وسائل الإعلام، أثبت هو أيضا انه مضى في عملية إعادة إنتاج الواقع والدفاع عنه، ولذلك فان تناول وسائل الإعلام التونسية لمجمل ظواهر التفكك المجتمعي ببلادنا، يعتمد منهج التبرير، ومن ثمّ، فلا خير ينتظر من وسائل الإعلام هذه في معالجة مجمل هذه الظواهر، لا في مستوى تكوين الوعي بالخطورة، ولا في مستوى اقتراح الحلول للمعالجة، والسبب راجع لكون وسائل الإعلام هذه أيضا تسلم بالأسس التي انبنت عليها تونس منذ الاستقلال، ولما كانت هذه الأسس هي سبب المشاكل، فإن ذلك يعني أمرين:
أن وسائل الإعلام لن تستطيع أن تنتقد هذه الأسس لأنها هي نفسها الأسس التي تنطلق منها ذاتها، هذا على افتراض أنها تفطنت لها واعتبرتها من ضمن الأسباب المؤدية للواقع الكارثي.
ثم إنها لا يحتمل أن تتفطن أصلا لتلك الأسباب لأنها لا تعتبرها من ضمن العناصر المحتملة للمشاكل، مادامت هي سبب وجودها ذاتها.

وهذه أهم ميزة وأخطرها من تلك التي تميز النموذج التغريبي التونسي، وهي توريط الضحية المستهدف ابتداء وتصييره لحالة الدفاع عن واقعه بعد ذلك، وهذه مرحلة خطيرة من التحكم في الضحية، حيث ينتقل المستهدف لوضعية المدافع عن الواقع كما يحدث الآن بتونس من طرف وسائل الإعلام التونسية ومجمل النخب ذات الخلفية العلمانية، وهم ابرز نموذج للضحايا المشبعين بالقيم موضوع الاستهداف.



مآلات مشروع التغريب بتونس:

لاشك أن المشروع المجتمعي الذي وقع فرضه بتونس منذ الاستقلال من طرف نخب مرتبطة بفرنسا، اثبت فشله، ويكفي للبرهنة على ذلك ذكر حقيقة التفكك المجتمعي الرهيب بتونس كارتفاع نسب الطلاق وارتفاع مؤشرات التمرد على مؤسسة الأسرة من طرف الأبناء، وارتفاع نسب العنوسة وارتفاع معدلات التسيب الأخلاقي من منافسة في التبرج وتحوله كعامل تميز اجتماعي عوض عامل تسفيه ونبذ لصاحبته، و شيوع ظاهرة الزنا بل وتشجيعها بطريقة غير مباشرة، من خلال ما يوصف بحملات التحسيس ضد الايدز ، وتزايد نسب الإنجاب خارج مؤسسة الزواج بل والتشجيع على ذلك من خلال رعاية الزانيات وتأسيس الجمعيات لفائدتهن والعناية بهن، وارتفاع حالات الانتحار، ثم أخيرا اتجاه المجتمع التونسي نحو التناقص العددي.

وواضح لكل ذي عقل، أن مجموع هذه الإخفاقات لا يمكن ان تنشا من فراغ، وإنما تعني ضمنيا ان الخلل متأت من المرجعية الفكرية والعقدية التي وقع اعتمادها كخلفية لتأطير التونسيين، وهي في عمومها منظومة غربية ترتكز على القيم الغربية في شقها الفرنسي بالتحديد، وقع أحيانا تطعيمها ببعض القوانين ذات المنشئ الإسلامي والتي لافاعلية لها (لان المنظومة الإسلامية يجب ان تطبق كلها وفاعليتها تتأتى من شموليتها) لغرض إبعاد شبهة عدم الانضباط بالإسلام كمرجعية.



وجوب إعادة النظر لجذور المشروع المجتمعي بتونس :

تداولت بعض وسائل الإعلام التونسية بعض المقترحات كمحاولة تصورتها تمثل معالجة لما يحدث من تسيب بالمعاهد التونسية، كتكوين لجان بحث، وتوعية الأولياء بدورهم داخل أسرهم وتشديد المراقبة داخل المعاهد، وغيرها من النقاط السطحية، لان كل هذه المقترحات لا قيمة لها مادام أصل المشاكل موجود وهو المتمثل في المرجعية الخطيرة التي يخضع لها التونسيون، التي تبيح بل تشجع على مجمل هذه الانحرافات، من خلال أساليب مباشرة أحيانا أو غير مباشرة كأسلوب زرع التناقضات في ذهن النشئ. - كيف يقع المطالبة من الأسرة القيام بدورها، والحال أن الأسرة نفسها وقع إضعافها حد الهدم عن طريق تمييع القرارت داخلها، وتشريع تعدد مراكز القرار بها، من خلال منظومة الأحوال الشخصية، ثم منظومة حقوق الطفل، وهما المنظومتان اللتان أحالتا الأسرة التونسية لساحة فوضى، فلا الزوج يمكنه أن يتحكم في زوجته وأبنائه، ولا الأم يمكنها أن تتحكم في أبنائها، وهي الوصفة المثلى للفوضى والتسيب، بمعنى انه لا يمكن بناء أسرة قوية في ظل تواصل قوانين تعمل على هدم هذه الأسرة، يجب أولا إلغاء أو على الأقل إعادة النظر في مجمل عناصر الهدم، ثم بعد ذلك يقع البناء. - كيف يقع المطالبة من المربين والأولياء إلزام النشئ بالقيم الحسنة، والحال انه يقع في نفس الوقت العمل على هدم هذه القيم وتربيتهم على نقيضها ؟ أليس السماح بتكوين نوادي تعليم الرقص وإلحاقها بالمدارس والمعاهد من الأمور التي تدمر الأخلاق؟ ألم يكن الأجدى بدل نوادي الرقص، تكوين نوادي تعليم القرآن وإلحاقها بالمدارس، لو كان القائمون على أمر مدارسنا يريدون الإعلاء من أخلاق أطفالنا ويهمهم فعلا مستقبل بلادنا ؟ أليس "التسامح" مع مظاهر التعري داخل المدارس والمعاهد، تشجيعا على السلوك السيئ ؟ أليس فرض التعليم المختلط، تشجيعا على السلوك السيئ ، خاصة وقد أثبتت الدراسات العلمية خطورة التعليم المختلط؟ أليس إغراق الكتب المدرسية منذ المراحل الابتدائية، بمحتويات تشجع على التعري والرقص والترفيه عموما واستبعاد قيم الحشمة والفضيلة والمبادئ من الأمور التي تشجع على السلوك السيئ ؟ أليس قبول إخضاع الأطفال التونسيين وهم ببلدهم تونس، لمناهج كنسية من خلال السماح بإلحاقهم بمدارس تتبع كنائس، دليلا على تهاون بمصائر أطفالنا وتشجيعا ضمنيا على القيم السيئة ؟ أليس السماح بإخضاع الأطفال التونسيين وهم بمدارس تونسية (بالمدارس الخاصة) لمناهج وبرامج فرنسية ، دليلا على تهاون بمصائر أطفالنا وتشجيعا ضمنيا على القيم السيئة؟ - كيف يقع المطالبة بتسفيه السلوك السيئ، وفي نفس الوقت تعمل منظومات تثقيفية تونسية على الإعلاء من نماذج هذه السلوكيات الخطيرة، كأمثلة السوء ممن يسمون فنانين محترفي الرقص والتعري؟ أليست المهرجانات التي تمول من أموال دافعي الضرائب التونسيين هي التي تعمل على الترويج لقيم الفسق والمجون وتربي على التفاهات؟ أليست التلفزة التونسية التي تمول من أموال الشعب، هي التي تعمل على التشجيع على سلوكيات التواكل والقمار من خلال ترسانة ضخمة من برامج خطيرة تروج للقمار والكسب الحرام والربح السريع؟ ويمكننا أن نواصل هذا النمط من التساؤلات، ولكن حسبنا ما ذكرنا، والمقصود بكل هذا، أن المعالجات الحالية التي تتناول بعض أوجه المآزق التي تعيشها تونس، لا تعدو ان تكون ضربا من التخبط والعبث، مادامت تحتكم لنظرة لا تتناول الأسس، حيث توجد أسباب المأزق الذي تعيشه تونس ويواجهه التونسيون. بمعنى انه لا حل لإنقاذ تونس من تفككها، إلا بإعادة النظر للجذور، إعادة النظر للأسس التي تم زرعها منذ الاستقلال خلسة في غفلة من التاريخ، هناك توجد بذور المشاكل كلها، هناك يجب إعادة النظر في ما تم التسليم به منذ أكثر من نصف قرن، يجب إعادة النظر لتلك الأسس الآسنة وتحريكها رغم نتونتها، لو فعلنا ذلك سنبدأ الخطوة الأولى نحو إيجاد حلول لمشاكلنا

Aucun commentaire: