إلى كل من نقلت مدونته أو مقالته أهدي تحياتي وأشد على أياديهم لأنها مجهودات قيمة ومفيدة أردت تقريبها وجمعها في موقع واحد لتسهيل البحث والاستمتاع دون عناء أو مضيعة للوقت......احترمت عرقكم ولم اكن جحودا ...فقط اضغطوا على العنوان الذي تراه مقتبس من موقعك وستعلم أني لم أنكر فضلكم ...وشكرا

lundi, juin 08, 2009

الجنس تواصل لا تناسل


الحقلة الاولى

الثقافة الجنسية ليست هى الجماع ولا أفلام البورنو!

"الجنس عزف حضارى على وترين
وقصيدة يكتبها جسدان
ولكنه يفشل فى بلادنا
لأنه يحدث بين فراشة ربيعية
وبين بولدوزر"

هكذا لخص نزار قبانى حال الجنس فى بلادنا ذلك الحاضر الغائب، ولكنه نسى فى غمار البلاغة الشعرية أن يفسر لنا كيف تحولنا إلى بولدوزرات وكيف تحولت العلاقة الجنسية عندنا إلى عزف منفرد صولو وهى فى الأصل سيمفونية متناغمة؟،ولماذا تحول الديالوج إلى مونولوج؟ ومتى يعود الجنس إلى معناه الحقيقى ويتخلص من كونه إغتصاب مقنن بورقة إسمها عقد الزواج؟!!،هذه المعانى وغيرها ظلت تلح على تفكيرى أثناء حضورى تسجيل برنامج تليفزيونى كان يناقش أهمية تدريس التربية الجنسية فى المدارس، وتحولت هذه المعانى إلى شبح مخيف حين قوبل حديثى فى البرنامج بهجوم كاسح لاحظته بعد إذاعة الحلقة وللأسف كانت أغلب ردود الفعل السلبية الرافضة والخائفة والمرعوبة أغلبها ممن نطلق عليهم لقب "مثقفين"، وقد إمتد الهلع والفزع من داخل ماسبيرو الذى أحاط المسئولون فيه بجسم الجريمة وهو البرنامج الغلبان والذين حاولوا بمنتهى الكفاح والتصميم كشف الألغام والديناميت المزروع فيه لدرجة التهديد بمنع الحلقة، إلى الخارج حيث بعض الصحف التى إستنكرت الخوض فى مثل هذا الموضوع القبيح !،مروراً بالبواب الذى قرر مقاطعتى لأنه كان فاكرنى مؤدب ومابتطلعش من بقى العيبه !،ولأننى قررت أن أخوض فى العيبه وأثبت للبواب ولكم أننى مازلت مؤدباً، سأتحدث عن أهمية تدريس الجنس فى المدارس وكيف أن تعليمه هو قمة الأدب ورفض دراسته هو العكس.
عندما كنت فى المرحلة الإعدادية وأتى اليوم المشهود يوم حصة العلوم التى سيشرح فيها المدرس الجهاز التناسلى، دخل علينا الأستاذ الجهبذ راضى والعرق يبلل نظارته السميكة برغم الشتاء القارس وزف إلينا البشرى السعيدة وهى أن هذا الجزء من المنهج محذوف ولن يأتى ذكره ضمن أسئلة الإمتحان، كان المدرس يتحدث وكأنه يتخلص من عار وذنب وحمل ثقيل، وتنفس بعدها الأستاذ راضى الصعداء، وكنا نستمع وكأننا مشتركون فى إثم وحمدنا الله على أننا تخلصنا من ساعات مذاكرة زياده وسؤال سخيف فى الإمتحان، ولم نكن نعرف وقتها أن موقف الأستاذ راضى هو تلخيص وإمتداد لموقف المجتمع ككل، وأن حذف النصف الأسفل من الجسم ليس قرار وزارة التربية والتعليم وحدها بل قرار ثقافة عربية خائفة ومرعوبة تعانى من الشيزوفرينيا تجاه الجنس والجسد، تتحدث ليل نهار عن الجنس ولكنها فى العلن وأمام الشاشات تحتقره، وتتخيل أنها بقدر إدانتها له بقدر إقترابها أكثر من معانى الشرف والسمو، ثقافة تخلق من الجسد مشكلة وهو فى الأصل حل، وتحوله إلى عورة شاملة وهو فى البدء طاقة فعالة، ومجتمع أخرس يجهل التحدث بأقدم لغات الدنيا وأصرحها وهى لغة الجنس، أصدر المجتمع فرمانه بأن يحفظ الطفل والشاب خريطة الوطن العربى ويجهل خريطة جسده، ويعرف كيف دخل الإنجليز إلى مصر ولايعرف كيف يدخل هو إلى مرحلة المراهقة، وأوكل المجتمع مستريح الضمير هذه المهمة المعقدة لآباء وأمهات هم فى حاجة أصلاً للتعليم وفك العقد المتوارثة نتيجة تربية خاطئة ومناخ مسمم ومجتمع يرتاب فى كل مايخص رغبات الجسد فهو مدان إلى أن تثبت براءته، وملوث حتى يتم تعميده بالحصار والخنق والتغطية والكلفته 000الخ.
ضمت حلقة النقاش فى البرنامج رجل دين فاضل، وإحتد النقاش بيننا وكان أفضل مافيه أنه لخص وجهة النظر السائدة عن الجنس وهى للأسف نظرة متخلفة، قال الرجل ولم يوارب وفتح النار على كل مايسمى ثقافة جنسية وقال تكفينا كتب الدين فقط، وسخر من العلم وهو يقول أنه فى إعدادى أزهر عرف من خلال كتب الفقه عن الجنس مالم يعرفه أطباء النساء والولادة وتناسى المعلومات العلمية المغلوطة التى تضمها كتب الفقه التى يدرسونها فى مدارس الأزهر مثل أن دم الحيض هو لتغذية الجنين وأن مدة حمل من الممكن أن تستمر بالسنتين وأكثر !!،وبالطبع كانت أهمية حديثه ليست فى قوة حجته ولكن فى مقدار تعبيرها عن فكر ونبض تيار رئيسى ومسيطر على عقل الشارع المصرى ومن هنا كانت أهمية طرح الأفكار وكشف المغالطات حتى يتسنى لنا معرفة ماهى ضرورة تدريس الجنس فى المدارس.
بداية لايعنى تدريس الجنس تدريس الجماع، ولكنه تدريس ومعرفة تضاريس هذا الجسد وتغيراته الحادة العاصفة من مرحلة الطفولة وحتى الشباب مروراً بالمراهقة، وأظن أن هذا حق إنسانى مشروع جداً، وماننادى به ليس عرض أفلام البورنو على الطلبة ولكنه تقديم علم الجنس لهم، وهو بالفعل علم إستقر وإتضحت ملامحه، ولسنا مسئولين عن الهواجس الجنسية المرضية التى تتشبث بعقل وجسد البعض نتيجة الكبت فالحل لهذه الهواجس ليس فى أيدينا بل فى أيديهم، ولذلك نطلب منهم أن ينحوا جانباً عقدهم الجنسية لنستطيع النقاش بحرية وموضوعية
أولى النقاط التى طرحت ويتبناها الكثيرون ويرددونها فى مناقشاتهم وكتاباتهم هى أن الجنس غريزة حيوانية وبالطبع كل ماهو حيوانى لايصح أن يدنس محراب العلم؟،وأنا على العكس أرى أن الجنس هو أرقى الغرائز البشرية وأهمها وهو يمثل أسمى وأعلى أنواع التواصل الإنسانى، وليس صحيحاً أن يقال أنه مادامت الحيوانات تتناسل وتمارس الجنس بدون تعليم فلماذا ندرسه نحن بنى البشر؟!،فالجنس عند الإنسان يختلف بالطبع عنه عند الحيوان، فالإنسان ليس لديه موسم تزاوج محددفهو يمارس الجنس فى أى وقت وهذا يثبت أن وظيفة الجنس الإنجابية وظيفة هامشية فالأساس هو المتعة ثم الأهم التواصل، ولذلك فالإنسان هو الحيوان الوحيد الذى يواجه أليفه ورفيقه وجهاً لوجه عند اللقاء الجنسى حتى يحس ويألف ويحتضن ويمنح الدفء ويكتسبه عكس جميع الحيوانات التى تمارسه بلامواجهة مباشرة وبطريقة ميكانيكية بحتة،إذن الجنس تفاعل نفسى قبل أن يكون تفاعل جسدى، وتسميته الغربية MAKING LOVE هى تسمية معبرة تماماً عما أعنيه عن أن الجنس مصنع للحب وليس للعيال!،وبهذا يثبت أن الجنس هو أعلى الغرائز إنسانية وأن إدانته على أنه شئ حيوانى لاتتم إلا عندما يعم الفساد الأخلاقى فيدعى الجميع الشرف على جثة الجنس.
النقطة الثانية التى يرفعها البعض فى مواجهة المنادين بتدريس الجنس فى المدارس هى لماذا ندرس الجنس وجدودنا لم يدرسوه وكانوا فى منتهى الفحولة؟،وهو منطق خاطئ يختزل الجنس فى وظيفته الإنجابية ويربطه بالفحولة والرجولة ويتناسى أن التواصل قبل التناسل، ويتناسى أيضاً أن السلوك الإنسانى كائن حى يتطور وينمو وكذلك الغرائز، وإلا فلماذا نأكل بالشوكة والسكين والملعقة وتضع المطاعم زهوراً على الموائد؟، ونحن نستطيع أن نلتهم الطعام بالأيدى بدون الحاجة لتلك الطقوس المعطلة للغريزة، أعتقد أن الإجابة هى فى كلمة التحضر الذى يفرض علينا معانٍ جديدة حتى فى الجنس أهمها أن تعبير المرأة أو مشاركتها الفعالة فى الجنس عيب وحرام، وأيضاً أن الجنس ليس لقاء أجساد فى غرف نوم مغلقة بل قبل ذلك لقاء ثقافات وعقول سابقة التجهيز تحمل أفكاراً مسبقة !!!،ومهم جداً أن نعرف إنطلاقاً من هذا المفهوم أنه لايوجد رجل مريض جنسياً أو إمرأة مريضة جنسياً بل توجد علاقة هى المريضة وهى المدانة
وبتغيير مفاهيمنا السابقة أولاً عن الجسد ثم الجنس نستطيع ببساطة بعدها أن نتحدث عن أهمية تدريسه، وأنا لاأطالب بتدريس الجنس كمنهج مستقل وإنما يجب أن يتخلل المناخ التربوى والتعليمى نفسه، ولايصبح مدرس العلوم بذلك هو المسئول الأول والأخير، فتدريس قصائد الغزل فى درس اللغة العربية جزء من التربية الجنسية، ومشاهدة حظيرة المدرسة جزء من التربية الجنسية، ومدرس الألعاب حين يمنع طالبة من أداء تمارين الجمباز بحجة الخوف على غشاء البكارة فهو يرتكب خطأ فاحش فى التربية الجنسية، والمدرسة التى تتعامل مع الذكر على أنه سوبرمان والأنثى على أنها بهانه فهى ترتكب جريمة جنسية، وكذلك مدرسة الحضانة التى تعنف الأطفال وتفصل الذكور عن الإناث فهى أيضاً ترتكب نفس الخطأ، أما مدرس الدين والذى عادة مايعترض على تدريس الجنس فى المدارس ويعتبره فسقاً وفجوراً فكيف بالله عليك سيواجه التلاميذ الذين سيسألونه عن المحيض والزنا وقصة سيدنا يوسف وفيها همت به وهم بها ومعنى الأرحام والفرج وآتوا حرثكم أنى شئتم 000الخ.
إن التربية الجنسية عملية مستمرة وممتدة وشاملةومسئول عنها المدرس والطبيب والأخصائى الإجتماعى والأب والأم ورجل الدين، والسؤال عن أى سن نبدأ فيه التربية الجنسية سؤال خاطئ، لأنه لابد أن يعدل إلى أى نواحى التربية الجنسية تتناسب مع الأعمار المختلفة؟،فمشاهدةتلقيح الزهور من الممكن أن يفيد فى مرحلة ما، ودراسة مفاهيم الأبوة والأمومة والرضاعة فى مرحلة تاليه،ودراسة التغيرات الهورمونية مرحلة أخرى وهكذا، وبذلك نستطيع معرفة حقيقة ذواتنا وتلافى المفاهيم المغلوطة والأمراض الجنسية، ومعرفة أن الإحتلام ليس خطيئة والحيض ليس إثماً، والعادة السرية لن تصيب الفرد بالجنون والختان لن يؤدب البنت ويكبت رغبتها بل سيحرمها من الإشباع وأن المداعبات الخارجية من الممكن أن تحدث حملاً0000الخ
أرجو أن يتذكر الجميع أن الأخلاق لايتم إحتكارها، وأن البعض الذين يدعون أنهم الوكلاء الوحيدون لقطع غيارها واهمون، فكلنا نسعى من أجل أخلاق أفضل ولكن يوجد فرق كبير بين الأخلاق وبين المرض النفسى، والخصيان أكثر الناس أدباً لكنهم أفشل البشر فى بناء المجتمعات، ومن المؤكد أن أعظم قدرة نمتلكها نحن الكبار هى قدرتنا على نسيان مراهقتنا.
ونحن الذين نحارب الثقافة الجنسية من أجل الفضيلة من أكثر المجتمعات إنفاقاً على العمرة والمنشطات !،مجتمع يدل إنفاقه على مدى نفاقه،وكما أن العمرة عند الكثيرين من تجار الشنطة إستدعاء للورع الشكلى والتدين المظهرى المفرغ من الروح الدينية الحقيقية، فالمنشطات أيضاً عندنا إستدعاء للجنس الشكلى الميكانيكى الخالى من الروح الإنسانية الصادقة، وهؤلاء عندما يحجزون تذكرة العمرة أو يتناولون قرص المنشط فإنهم بذلك يحافظون على ماأطلق عليه مجتمع الفاترينات، فالمهم عندنا هو أن الفاترينة بخير أما ماهو وراء هذه الفاترينة الأنيقة فليس مهماً حتى ولو أكلته العتة أو أصابه العفن !!،فمن الممكن بل ومن العادى جداً أن تذهب إلى العمرة وبعد عودتك مباشرة تبيع بمنتهى راحة الضمير منتجاً منتهى الصلاحية، وكذلك بعد أن تمنحك المنشطات جنساً صحيحاً من الناحية البيولوجية لاتتورع عن أن تسب وتضرب من كانت فى أحضانك منذ قليل تحت لافتة القوامة والتأديب.
وفى مجتمع الفاترينات يحاول كل من نخرت روحه السوس أن يتطهر ويقدم قرباناً حتى ولو ضحى بأى شئ حقيقى وصادق فى طريقه ومنها الدعوات الجادة للثقافة الجنسية،ولكن يوجد سؤال مهم يفرض نفسه، فلماذا هذا العصاب الجماعى الذى أصبح يحكم ردود أفعالنا تجاه أى إختلاف وخاصة لو كان حول الجنس؟.
الإجابة عن هذه النقطة فى غاية الأهمية وليس الغرض منها الدفاع عن ماقلته أنا فى الحلقة التليفزيونية، إنه الدفاع عن الجنس نفسه والذى لايعنى الدفاع عن الإباحية فالفرق بينهما شاسع بل أستطيع أن اقول وبكل راحة ضمير أنه لاعلاقة بينهما أصلاً، فالذى لمسته من معظم المهاجمين لتدريس الثقافة الجنسية هو تحقير الجنس، وتأكيد مفهوم أنه "أحقر الغرائز " و"الشهوة البهيمية الحيوانية " 000الخ، وهو كلام مرسل يحتوى على مغالطات كثيرة، فلو صح تقسيم الغرائز إلى غرائز راقية وأخرى حقيرة فأنا أعتبر وبلاتردد أو تحفظ أن الجنس هو أرقى الغرائز البشرية على الإطلاق، لأنه ببساطة أعقدها من الناحية البيولوجية والنفسية، والعلماء يعتبرون أن أهم عضو جنسى فى الإنسان هو المخ أعقد أعضاء الإنسان وأرقاها، والدوافع الجنسية نواة تجمع داخلها كل عناصر الحياة وألوان طيفها المتعددة وحتى المتناقضات، ففيها حب التملك والمشاركة، فيها الأخذ والعطاء، وفيها الرغبة فى السعادة والقدرة على الإسعاد، وفيها البحث عن الحنان والتواصل والخلود والقدرة على زرع بذور الحياة، والجنس ليس شهوة بهيمية حيوانية بل إنه سلوك إنسانى إجتماعى شديد التعقيد، فالحيوانات لاتشتهى بل هى تستجيب أوتوماتيكياً لدوافع بيولوجية فى مواسم تزاوج محددة، أما الإنسان فهو الذى يشتهى ويضع لإختيارته مقاييس وقواعد جمالية ونفسية، وعلماء النفس يؤكدون على أنه لايكاد يخلو سلوك إنسانى من دوافع جنسية بالمعنى الواسع والراقى لكلمة جنس.
لذلك فنحن لو حقرنا الجنس فنحن بالتالى نحقر الحياة ونحقر معها أنفسنا قبل الجميع،إن موقف مجتمعنا من الجنس موقف مرضى فضحته مثل تلك المناقشات عن الحلقة وغيرها، مرض يمكن أن نطلق عليه ال SEXOPHOBIA، ومن الممكن أن نلخص أعراضه وأسبابه كالتالى :
*الجهل الكامل بالجنس ومعناه كوظيفة عضوية وكدوافع نفسية، هذا الجهل يجعلنا غير مؤهلين للتعامل معه كما يجب مما يؤدى إلى العرض الثانى.
* العجز عن مواجهة الجنس بكل صوره سواء العلمى أو الفنى أو الإجتماعى النفسى، وكرد فعل طبيعى لهذا العجز فنحن نحقر الجنس فى محاولة منا لإثبات أن موقفنا الهروبى منه هو تسامى وتعالى عليه وليس عجزاً سببه الجهل والعجز السابقين، وهذا العجز والتحقير يخلق العرض الثالث.
*الكبت والحرمان الجنسى، إذ أن إيماننا الدفين بحقارة الجنس وتدنيه يجعلنا عاجزين عن دمجه فى مشاعر الحب والحنان والتواصل لدينا أثناء نمونا النفسى، وهذا الإنفصال يفقد الممارسات الجنسية فيما بعد مضمونها العاطفى ويفرغها من محتواها النفسى فيخلق عندنا حالة من الحرمان الجنسى (الكيفى وليس الكمى ) فنمارس كثيراً ولكننا للأسف لانحس إلا نادراً !!،هذا الحرمان يجعل الجنس هو الوسواس القهرى، هو شغلنا الشاغل وهو البداية والنهاية فى سلوكنا اليومى مما يخلق العرض الرابع.
*التجسد بمعنى أن يتجسد لنا الجنس فى كل شئ نراه، فنتربص لكل عمل فنى ولكل صداقة بريئة، ويتجسد لنا وراء كل ضحكة وإيماءة أو بهجة، وبه يمكن تفسير الفشل فى الإمتحان والهزيمة فى الحرب أو حتى فى كرة القدم !!،وبالطبع فى برنامج كالذى نتحدث عنه، وهنا يكفى الكاتب المهاجم المتربص أن يوحى ويومئ تحت شعار "إنت فاهم وأنا فاهم " ليكمل القارئ المريض بالوسواس الجنسى باقى الصورة ويمد خط "القباحة " على إستقامته،وبعدها يصرخ الجميع الشباب الشباب 00الفضيلة الفضيلة!.
إذا كان هذا هو حال المرض الضارب بجذوره فى نخاع المجتمع فهل نناقشه أم نخفى رؤوسنا كالنعامة ونضحك على أنفسنا ونؤمن بنصائح أصحاب بوتيكات الفضيلة ووكلاء قطع غيار الأخلاق وواضعى المواصفات القياسية للأدب والإحترام!!، إننا لن نصل إلى أى درجة من درجات التصالح مع النفس طالما أن الجنس ينمو بداخلنا كجنين غير شرعى نحتقره وندينه ونخنقه ونمنعه من التنفس حتى نجهضه ونطرده من دائرة النقاش، ولابد أن نسأل أنفسنا فى عصر السماوات المفتوحة هل نحن فعلاً نريد الحرية الحقيقة أم الحرية المعلبة سابقة التجهيز؟،الحرية ياسادة لاتتجزأ ولاترتدى البرقع ولاتحب الترقيع، والذى لايناقش الجنس بحرية لن يناقش السياسة ولاالإقتصاد بحرية وسيمارس طوال حياته التعمية والطناش على كل شئ، وإتهام من يدعو إلى تدريس تلك الثقافة بأنه السبب فى إنتشار العادة السرية بين الشباب لابد أن يوجه بالأساس إلى من جعلوا الحد الأدنى للزواج أربعين سنة !!.
وأختم مقالتى بحادثة تاريخية وإقتباسين أحدهما من التراث العربى والآخر من التراث الأجنبى لعلها ترد على الإزدواجية الأخلاقية الحادة التى نعيشها والتى تدل على أن معظم الذين يتباكون على الفضيلة هم غالباً أبعد الناس عن التمسك بها :
*تم إعدام لوحة ليوناردو دافنشى " ليدا وطائر البجع" فى فرنسا بحجة أنها إباحية وتتنافى مع الأخلاق، وكان الذى أمر بإعدامها هو الملك لويس الثالث عشر أكبر ملك إرتكب موبقات أخلاقية فى تاريخ فرنسا، وبعدها أحرقت لوحة مايكل أنجلو التى تتناول نفس الموضوع وبنفس المبرر فى عهد لويس الرابع عشر بناء على طلب داعرة كانت تمارس العشق معه إسمها مدام دى مانتنون !!.
*قال الإمام الحافظ بن قتيبة الدينورى :"وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك، فإن أسماء الأعضاء لاتؤثم، وإنما المأثم فى شتم الأعراض وقول الزور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب "!!.
*قال كولن ولسن " أنا شاعر لاأحب الناس بالشكل الذى هم عليه، فهم مخيبون للآمال ومقبضون إلى درجة كبيرة، وحين يتهمنى النقاد بأننى مشغول بالجنس، أعترف بذلك بترحاب، فهو أحد الموضوعات القليلة التى يجب أن ينشغل بها الأذكياء، دعنا نفكر بالجنس ونتحدث عنه قليلاً لشئ ما، إن الشعراء والفلاسفة كانوا يبحثون عن معناه منذ تعلم الإنسان أن يفكر، فتجاهل الأغبياء الذين يخبرونك أن تدع الجنس لغرف النوم ولاتتحدث عنه، إن نظرة واحدة إليهم ستقنعك أنهم لو فكروا لأنفسهم بطريقة صحيحة لما أصبحوا أناساً من الدرجة الثانية كما هم عليه الآن !!!!.

الحلقة الثانية


تعالي نتعلم كيف نحب

لدى حساسية خاصة من عبارة "وقع فى الحب"، فهذه العبارة قد ضللت الكثيرين ومنحت إنطباعاً مزيفاً عن ماهية الحب، وإتخذها الكسالى شماعة لتعليق فشلهم العاطفى وأنانيتهم ونرجسيتهم المفرطة عليها، فنحن عندما إعتنقنا هذا المبدأ ورفعنا ذلك الشعار وضعنا قاعدة خطيرة وهى أن الحب مثل الأتوبيس علينا أن ننتظره فى المحطة حتى يصل إلينا ونصعد على درجات سلمه لننحشر فى أجساد راكبيه، مثله مثل الوحى فى الشعر الذى يهبط من وادى عبقر على المبدعين بلاسابق إنذار، وأيضاً مثل الحفرة التى نغطيها بفروع الأشجار وبقايا الأوراق الذابلة ليقع فى فخها أى عابر سبيل!.
نحن لانقع فى الحب، بل نحن ننمو فى الحب، هذا هو المفهوم الذى لابد أن يحكم سلوكنا تجاه هذه العاطفة الجميلة التى تم تشويهها وإبتذالها حتى صارت بلامعنى مثل الماء النظيف بلاطعم ولالون ولارائحة!،لابد أن نفهم أن الحب كالبذرة الصغيرة لابد لها من الرى والرعاية والجهد حتى تنمو إلى نبتة ثم شجرة كبيرة يستظل بظلها الحبيبان، والحب ليس نباتاً شيطانياً يظهر فجأة وليس أيضاً نبات صبار يحتمل هجير الصحراء الموحشة وجفافها القاسى، إنه زهرة رقيقة تحتاج إلى مزيد من العناية والبذل والتنازلات والتخلى عن النرجسية حتى تخرج من الصوبة المعقمة لتضرب بجذورها قوية وسط الأحراش والعواصف وبراكين المجتمع الذى لايكره شيئاً فى الكون مثل كراهيته للحب، فهو يتغنى فى العلن بإسمه فى كل وقت ويغتاله ويغتابه فى الخفاء فى كل مكان، ولكل هذه الأسباب وغيرها تملكنى الفرح حين عرفت أن باحثاً أمريكياً هو ليو بوسكاليا قرر تدريس الحب، ومن أجل هذا الغرض وضع بوسكاليا "كورس" مكثف فى الجامعة للكشف عن غموض هذا الكائن الذى يولد فى مجتمعنا بعملية قيصرية، ويشيع بجنازة صامتة،ويدفن فى مقابر الصدقة!.
ليو بوسكاليا من أصل إيطالى يمتلك دفء وحرارة ونزق وجموح الإيطاليين لذلك لم يفهمه المجتمع الأمريكى فى طفولته وتعامل مع أسرته بعنصرية، وعندما كان يدرّس فى إحدى الجامعات الأمريكية إنتحرت إحدى طالباته ولم يعرف هو لماذا إنتحرت؟،وإستبد به حزن شديد وأيقن أنه مخطئ فى حقها لأنه لم يحاول أن يفهمها ويقدر كم هى محتاجة إلى الحب، وفى مجتمع مثل المجتمع الأمريكى يلتقى فيه الناس ولايتلاقون، كان على بوسكاليا أن يستدعى مخزون التواصل الإيطالى الحميم ويعطى كورساً أوبرنامجاً دراسياً فى الحب، وبالطبع إتهمه زملاؤه من الأساتذة بالجنون والشذوذ والتفاهة، ولكنه واصل طريقه ليصبح أشهر أستاذ فى علم الحب!.
يؤكد كتاب بوسكاليا على أن الحب سلوك مكتسب، وهو مايناقض البديهيات التى تربينا عليها، وهى أن الحب سلوك فطرى يقترب من الوظائف البيولوجية مثل الأكل والتنفس، وأكد أيضاً على أن الحب مشاركة وليس عطاء بلاحدود، فهو لايعيش فى يوتوبيا مزيفة وإنما يقرأ واقعاً حياً نابضاً، حاول معه أن يحذرنا من أننا بالفعل نعيش مع بعضنا البعض ولكننا جميعاً نموت من الوحدة.
البداية لكسر هذه الوحدة الباردة أن نكن أنفسنا، فقديماً رفع شعار "إعرف نفسك"، ونحن حالياً نرفع شعار "كن نفسك"، ولاتندهش عزيزى القارئ وتتساءل "ماأنا نفسى أمال أنا مين؟"، والإجابة للأسف أنت لست نفسك ولكنك النموذج الذى يريده المجتمع لك فى اثناء صناعته لخرافة المواطن الصالح، فأثناء طفولتك مثلاً وحين تطلب منك مدرسة الرسم أن ترسم شجرة فأنت تحصل على إعجابها وعلى درجتها النهائية حين ترسم شجرتها هى وليست شجرتك أنت، وتظل طوال حياتك ترسم شجرات الآخرين وتسير فى طرقهم المعبدة، وتسكن فى مساكن أفكارهم المعلبة سابقة التجهيز، فالبداية الصحيحة والسليمة هى أن تهرب وترسم شجرتك أنت، وتضحك حين تريد أن تضحك وتبكى حين يخنقك البكاء، وفى هذا المعنى يكتب ليو بوسكاليا " لاحاجة بنا لأن نخشى أن نلمس، وأن نشعر، وأن نبدى الإنفعال، إن أيسر شئ فى الدنيا هو أن تكون "كماأنت "، وإن أشق شئ تكونه هو مايريدك الآخرون أن تكونه".
من أهم الخرافات التى تقتل الحب خرافة الكمال، فالشخص المحب لاحاجة له أن يكون كاملاً، بل إنساناً فقط، ونحن كثيراً مانخاف على أن نقدم على فعل أشياء كثيرة لمجرد أننا لانستطيع فعلها على نحو كامل، فلاتخافوا من النقصان، وثقوا فى إمكانية التغيير، فالتغيير هو الشئ الوحيد الثابت فى هذه الحياة، وعليك أن تعرف أن نقيض الحب ليست الكراهية، وإنما هى اللامبالاة وفتور الشعور، فإذا كرهنى شخص ما فلابد أنه يشعر بشئ ما إزائى وإلا مااستطاع أن يكره، والذى يكرهنى لى طريق معه، أما الذى لايبالى بوجودى فلاطريق معه، فإذا وجدت نفسك لاتستطيع التفاهم مع من هم بجانبك على مسرح الحياة فلابد أن تغير مشهدك وترسم ستارة خلفية جديدة لمسرحك، وتحيط نفسك بممثلين جدد، وتكتب مسرحية جديدة لتؤديها بصدق، يقول الكاتب اليونانى كازانتزاكس صاحب زوربا " لديك فرشاتك وألوانك، فإرسم الفردوس وإدخله آمناً ".
الحب يحتاج إلى الحرية، والطيور لاتغرد أبداً فى الكهوف، والمجتمعات الديكتاتورية تغتال الحب، والمواطن المقموع يجهل الحب، ونحن فى مجتمعاتنا نمثل الحب ولانحياه، ونرتدى قناعاً أثناء ممارساته ونزيف مشاعرنا لنرضى الآخرين ونتكيف مع السائد، ونظل ننتظر الحب ولكننا فى الحقيقة ننتظر "جودو " البطل الغائب فى مسرحية العبث الشهيرة، ولانعرف أن الحب ليس للتفكر والتنظير ولكنه للخوض فيه والممارسة من خلاله، والحب شئ مختلف تماماً عن الإحتياج ويتم تعلمه منذ الطفولة، فمثلاً إذا كانت الأسرة من تلك الأسر التى تجاهر بعواطفها فسوف يتم تدعيم الطفل بإستجابة إيجابية عندما يعبر عن هذا، فيقفز الطفل إلى حضن أبيه ويزرع قبلة على فمه، قبلة خصبة حافلة بالحيوية، فيرد الأب عليها بود وفرح، وهنا تبدأ أول رسالة تعليمية عن الحب، أما إذا حمل الأب الطفل بعيداً عنه ناهراً إياه قائلاً :
-الرجال الكبار لايحضن بعضهم البعض!.
بالطبع تؤدى مثل تلك الرسالة السابقة إلى خلق شخص من الممكن أن يكون مقبولاً إجتماعياً لكنه وللأسف منبوذ وأخرس عاطفياً، وهذا القبول الإجتماعى المزعوم والذى يسعى إليه الجميع يؤكد على أن الحب صناعة إجتماعية تشكلها للأسف الثقافة السائدة وليست الذات الصادقة، ومن الأمثلة الثقافية الصارخة التى تشكل الحب مثال اللغة، فاللغة لها مضمون عقلى وعاطفى، وكلمة مثل "حب " حملتها اللغة فى ثقافتنا معنى الإثم والذنب والخطيئة، وكلنا يتذكر الناشر الذى تطوع ليعلمنا الفضيلة ويحذف من قصص إحسان عبد القدوس كلمات الحب، ولأن إحسان عبد القدوس حرفته الحب فقد ظلموه من قبل وعوقب حين كان يقول فى ختام حديثه "تصبحوا على حب "، وذلك لأن هذه العبارة فى نظر المجتمع عيب وغلط وحرام، ولهذا نقول كما قال أحد علماء اللغة أن اللغة تمجيد للحقيقة، وغالباً ماتتوه الحقيقة فى سراديب اللغة
من أين نتعلم الحب؟،نحن نتعلم الحب من الأغانى والسينما والشعر والإعلانات...الخ، تعلمنا الحب على أيدى عماد حمدى وفاتن حمامة، وصنعته لنا متروجولدين ماير، وحلمنا به مع إعلان برفان منعش لاتقام علاقة حب بدون أن نشم عطره النفاذ من خلال الشاشة!!،إننا ولدنا وعشنا وشاهدنا نموذج الحب وكتالوج العواطف وباترون المشاعر ولكننا للأسف لم نشاهد أو نعش الحب نفسه، والنتيجة أن كل إثنين أحبا إكتشفا فى نهاية العلاقة أنهما تحولا إلى جثتين.
هناك درجات للحب..نعم، هناك أنواع للحب..لا، ودرجات الحب يحددها التعبير عن الحب، ويجب ألانفترض أننا يمكن أن ندرك الحب ونشعر به بدون تعبير، فنحن قد نسينا الطبطبة والربت على الكتف والحضن، كل هذا من أجل شئ تافه أوبالأصح خوفاً من شئ تافه وهو ألا يفهمنا الآخرون خطأ!،والسؤال الذى يفرض نفسه هل هذا الخوف يساوى أن ندخل جحورنا بهذا الشكل المفزع؟،علينا أن نطبق قول بوسكاليا للإجابة على هذا السؤال، فهو يقول " الحب فى حاجة للتعبير عنه جسدياً ".
على المحب أن يقول لنفسه من آن لآخر إنى أحب لأننى يجب أن أحب، لأنى أريده، أنا أحب من أجل نفسى لا من أجل ألاخرين، إننى أحب من أجل مايكسبنى الحب إياه من مرح وبهجة، فإذا دعمنى الآخرون فسيكون ذلك طيباً، لأننى أريد أن أحب، ولنستمع إلى تلك الأغنية اليابانية التى تقول :
أما وقد إحترقت صومعة غلالى
حتى سويت بالأرض
فإنى أستطيع الان أن أرى القمر!!
فلو فشلت فى علاقة حب فمن المؤكد أنك قد إستفدت، ولاتيأس ولاتبتئس فمن المؤكد أن هناك شيئاً ماأجمل.
أما لماذا يفشل الحب فهذا هو السؤال الخطير؟،إنه يفشل أولاً لأننا كيانات كسولة تخشى التغيير، وثانياً لأننا لانعرف كيف نحب ذواتنا وأنفسنا، وهذه ليست دعوة للنرجسية ولكن من المؤكد أن من لم يعرف أن يحب ذاته لن يعرف حب الآخر، وحبك لنفسك هو أن تناضل لكى تعيد إكتشاف تفردك، وأن تصونه وتحافظ عليه، إنه يعنى فهم وتقدير فكرة أنك سوف تكون "أنت " الوحيد مدى حياتك على هذه الأرض، وتذكر أنك تعيش بأقل من 10% من طاقتك الكامنة، وأخيراً الحب يفشل عندنا لأننا مرعوبون من الإختلاف، ومن تحمل المسئولية، والحب ملخصه إثنان مختلفان يحبان ويتحمل كل منهما مسئولية ذلك الحب.


الحلقة الثالثة والاخيرة

ليلة الدخلة والعريس المربوط


إنى فى حلم سعيد ولكن الخوف لايزايلنى واليأس يثير فى وجهى غباراً، وكيف لى بالنجاة وجسمى ميت لاحياة فيه؟، و أحرق جفاف الخوف حلقى، ووقفت حيال عجزى ويأسى حائراً أتساءل أى شيطان أغرانى بالزواج؟،ألم يكن عذاب الحسرة القديم خيراً من هذا العذاب؟كيف خاننى جسمي؟،وإلام يدوم هذا اليأس؟!!"
قال هذه العبارة كامل رؤبة لاظ أكبر فاشل فى ليلة الدخلة فى الأدب العربى، وقد نسج هذه الشخصية قلم الأديب الكبير نجيب محفوظ لوصف فشل كامل مع زوجته رباب فى رواية السراب المكتوبة منذ أكثر من خمسين عاماً، أي أننا نحتفل الآن باليوبيل الذهبى لهذا الفشل، ولكن هل هذا الفشل أصبح ذكرى؟،وهل ليلة الدخلة فى قاموسنا العربى زالت عنها تلك الرهبة وإختفت معها الأساطير والحكايات وأيضاً الأوهام؟،أعتقد ان الإجابة هى بالقطع لا، و يحتاج أستاذنا نجيب محفوظ إلى كتابة مائة" سراب" أخرى لكى يغطى أبعاد تلك الليلة التى من المفروض أن تكون زفافاً إلى السعادة، ولكنها للأسف تتحول على أيدينا إلى زفاف إلى فرانكشتين!
*ولكن ماهو وجه الفزع والرعب والهلع الذى يصيب البعض فى تلك الليلة ويجعلهم أسرى خوفهم وعجزهم؟
الحقيقة أنها أسباب كثيرة ترجع إلى الأمية الجنسية لكلا الزوجين، وأيضاً لما رسمه المجتمع لتلك الليلة من ملامح ومتطلبات ينتظرها الجميع ويقيسون على أساسها الفشل والنجاح، فالمجتمع يصورها على أنها معركة وخناقة حامية الوطيس تختبر الفحولة بالنسبة للرجل والجاذبية بالنسبة للأنثى، ولذلك فأى فشل هو إهانة للرجولة وإنكار للأنوثة بالرغم من أنه شئ عادى وفى معظم الأحيان لايحتاج لعلاج، و هذا المفهوم هو مايتسبب فى أن يفشل 40% من الرجال فى هذه الليلة حسب آخر الإحصائيات، ولذلك فتغيير المفاهيم هو البداية.
والبداية هى معرفة أن العملية الجنسية عملية فسيولوجية طبيعية بحتة كنبض القلب والتنفس، وإدخال عنصر الإرادة والإجبار ومراقبة الذات وكأنها فى إمتحان كلها تؤدى إلى الفشل لامحالة، وجرب أن تراقب عدد نبضات قلبك بوسوسة ستخرج حتماً بنتيجة أن لديك ذبحة لاقدر الله بالرغم من أنك فى تمام صحتك وعافيتك، وكذلك الجنس دافعه فقط هو الرغبة وبعد ذلك تتم المسائل أوتوماتيكياً، وبدون رغبة لن تتم هذه الليلة بنجاح لأنك ستصبح كمن يريد أن يصنع الكعك بدون أن يملك دقيقاً، وسبب العجز الجنسى المصاحب لليلة الدخلة أو مانطلق عليه "عنة شهر العسل" HONEY MOON IMPOTENCE" هو فقدان هذه الرغبة بسبب القلق والتوتر، ويلجأ العريس فى بعض الأحيان قبل هذه الليلة لتعاطى الحشيش أو المخدرات والتى تؤثر بالسلب فى أغلب الأحيان، وذلك لأن الحشيش يشوه إحساس الزمان والمكان فيعطى تصورات زائفة ومضللة.
ويظل هذا العريس المسكين لايملك من شهر العسل إلا لسع النحل، فيلجأ للدجالين لكى يفكوا هذا العجز أو مانطلق عليه "الربط"،ويظل يبلبع فى مقويات ومنشطات وهورمونات، ويصف له الأصحاب ال SPANISH FLY والجمبرى والإستاكوزا بلا طائل، لأنه ببساطة لايفهم أن مصدر الدوامة التى تعصف به هى فى عقله وليس فى جسده.
والتعبير العربى غاية فى البلاغة عندما يصف مايحدث فى ليلة الدخلة، فنقول فض غشاء البكارة وليس كما يقول البعض هتك الغشاء أو تمزيق الغشاء، فالفض يحمل معنى الرقة واللطف ويلغى التصور الراسخ فى الأذهان بأن هذه الليلة لابد أن تتوج ببحر من الدماء، والحقيقة أنها مجرد نقط بسيطة نتيجة تمزق بعض الشعيرات الدموية الرقيقة المتصلة به، والطقوس الموجودة قد ساعدت على شيوع هذا المفهوم بصورة رهيبة فالأم تعلم بنتها أن هذا الفض كخرق العين، وفى بعض المناطق الريفية يسمون هذه العملية "أخد الوش" ويجعلون الداية هى التى تقوم بهذا الفض أو تعلم الزوج أن يستعمل فى هذا الفض أصبعه وذلك فى مشهد مهين ينتهى بأن يحمل الأب المنديل الغارق فى الدم دليل الطهر والعفاف والشرف،وذلك خلافاً لما أوصانا به الرسول (ص) من رقة التعامل وحسن المعشر.
.
ويمثل هذا الغشاء بيت القصيد فى عنة ليلة الدخلة، فالغالبية تتصوره على أنه غشاء سميك وقوى يحتاج لقوة طرزان لكى يتمزق ويتخيلون أيضاً أنه يسد فتحة المهبل بأكملها، وهذا بالطبع مفهوم ناتج عن جهل وإلا كيف ينزل الطمث؟؟،والحقيقة أنه يغطى جزءاً بسيطاً ويترك فتحة بسيطة قطرها حوالى سم واحد لنزول دم الحيض، وهذه الفتحة تختلف.
فى الشكل من إمرأة لأخرى فقد تكون هلالية أو مستديرة أو غربالية الشكل، وأحياناً يكون الغشاء من النوع المطاطى وهذا النوع أطلق عليه وأسميه الغشاء الكارثة نظراً لما يجره من كوارث ومصائب على صاحبته فى منطقتنا العربية، فهذا النوع المطاطى لايتمزق بعد الإيلاج فى تلك الليلة وبالتالى لايصاحبه نزول دم، وهنا الطامة الكبرى فتتهم صاحبة هذا الغشاء الكارثة بأنها ليست عذراء وأنها فرطت فى نفسها لرجل آخر قبل الزواج، والمسألة كلها من الممكن أن تحل عند الطبيب بمزيد من الشرح والهدوء وبث الطمأنينة ولكننا للأسف لانستطيع أن نتنازل عن التمسك بأنها معركة.
فشل ليلة الدخلة ليس سببه دائماً الرجل بل إن المرأة تشارك بنصيب لابأس به فى هذا الفشل، فأولاً الرعب من غياب وعدم وجود الغشاء أصلاً والفزع من توابع إكتشاف الزوج لهذا الغياب، وهذا الرعب هو أيضاً ناتج عن معلومات خاطئة مصدرها غالباً الأم التى تخبرها بأن مجرد التشطيف أو ركوب الدراجة سيسلبها عذريتها وتنسى أو تتناسى أن الغشاء يقع فى مكان داخلى أمين لاتصل إليه هذه الممارسات الروتينية البسيطة.
والرعب الثانى يتأتى من تخيل العروس أن حجم العضو الذكرى سيسبب لها مصيبة وتتناسى أنها من نفس المكان ستلد جنيناً يزيد عن 2 كيلو !!،ولابد أن تعرف كل عروس أن فرجها ليس أنبوبة لها إتساع محدد لاتزيد عنه، بل إنه مثل الجورب الأول سايز.إذا جاز التشبيه يتمدد ليتسع بمرونة وبدون أى ألم لأى حجم كان، ولذلك يجب ألا ينتابها الرعب والفزع.
ليلة الدخلة يجب ألا نحولها لمباراة مصارعة نننتظر نتيجتها بترقب وشغف، بل يجب أن نجعلها ليلة بهجة يكتشف فيها كل رفيق رفيقه بلا خوف أو عقد وأيضاً بلا نزيف أو فشل، ف ليلة الدخلة ليست لقاء بين شخصين فى غرفة النوم بل هى لقاء بين ثقافتين وموقفين وعقدتين وتراثين، يشاركهما المجتمع بفضوله ودوافعه وبمعانى الصح والغلط ويتطفل عليهما بكل ثقله وعاداته وتقاليده،والدليل أنك وأنت حتى فى أمريكا تتسلط عليك مخاوف ثقافتك الأصليه، ف يكون جسد ك فى عصر الكمبيوتر وروح ك مازالت فى زمن المحراث والساقيه، وأساطير ليلة الدخلة جزء أصيل من هذا التراث وهذه الثقافه، والأساطير كثيره وهى قيود تكبل وتشل وتجعل من ليلة العمر ليلة مظلمة يجثم فيها اليأس والإحباط على الروح فيخنقها.
واولى هذه الأساطير بالطبع كماذكرنا هى أسطورة المنشطات والمخدرات التى تنشط الجنس وهى على العكس أول مايغتال الجنس، ويظل العريس فى هذه الليله يدخن الحشيش طالباً الفحولة وهو لايدرى أنه يطلب الحانوتى!
أما ثانى هذه الأساطير أنه بعد فض الغشاء لابد من أن تزيد مرات العلاقه الجنسيه بعد الفض مباشرة حتى لايغلق ثانية، وهذا بالطبع وهم خلقه الهلع المحيط بذلك الغشاء أو ماأسميه فوبيا الغشاء.
ومن ضمن الأساطير المتعلقه بليلة الدخله أن الجنس رجل ورجل فقط، وتاء التأنيث حرف مشطوب فى الجنس الشرقي، ومن العيب الشديد لذلك السبب أن تفصح المرأة عن رغبتها أو مايجول بخاطرها عن العلاقه، ولذلك فالجنس يصبح عندنا علاقة من طرف واحد ويصير كالعزف المنفرد ويفقد صفة السيمفونيه.
وأخطر الأساطير هى اسطورة أن البظر وهو عضو النشوة عند المرأة يضايق الرجل الذى لابد أن يكون مستريحاً بغض النظر عما إذا كانت المرأة تحس أو لا،وذلك بالطبع وهم نسجه خيال الرجل الشرقي وهو لايعرف أنه بجريمة الختان يفقد المرأة إشباعها الجنسى ولايفقدها رغبتها، وهذا هو مكمن العذاب والخطر، فالرغبة التى مكانها المخ موجوده وتستجيب ولكن وتلك هى المأساة لايتم إشباعها لأن عضو الإستثاره قد تم بتره.
وأسطورة أخرى ناقشناها من قبل وهى أسطورة طول العضو الذكرى ولكن هذه المرة سنناقش تأثيره على الرجل،فالمراهقون يظلون طوال مراهقتهم مرعوبون من هذه الجزئية،ويظل هذا الوسواس ضاغطاً وخانقاً حتى وقت الزواج،وهم للأسف لايعرفون معلومة بسيطة وهى أنه لاعلاقه للطول بالإشباع لسبب بسيط و هو أن المهبل عضو مطاطى متلاصق الجدران ومرن، وأن الإحساس الجنسى يكمن معظمه فى الثلث الخارجى من المهبل والذى يبلغ طوله حوالى 4 سم فقط.
ولابد أن يعرف الشباب أن عملية الإنتصاب عملية فسيولوجية طبيعية كعملية التنفس، ولاداعى لمراقبته وكأننا فى إمتحان، وأهم مايقتله هو الفضول والتدخل والرقابة ووضعه فى خانة الثواب والعقاب، والرقابة عندنا للأسف هى رقابة مجتمع قبل أن تكون رقابة ذاتيه، ولابد أن يعوا أيضاً أن الجنس ليس فيه غالب ومغلوب فهو ليس ماتش مصارعه حره، وإنما هى علاقة حب وموده وسكينه تحكمها رقة العاطفه وليس صفارة الحكم.

Aucun commentaire: